ضمن فعاليات جمعية العاديات, قامت لجنة الآثار بجولة أثرية إلى منطقة جبال البلعاس, وذلك في يوم السبت الواقع 2/4/2011 م
ـ اختيار الموقع: تعتبر جبال البلعاس الواقعة على الطريق الإجباري المتجه من المنطقة الوسطى (حماه ـ حمص) وعن طريقهما إلى الساحل السوري على أهميتهما التاريخية, هذا الطريق المتجه عبر سلمية باتجاه الشرق مروراً بسلسلة من التلال الأثرية وعلى رأسها تل الشيخ علي الهام جداً, ومروراً أيضاً بالعديد من القرى ذات الأهمية التاريخية والأثرية, وصولاً إلى منطقة جبال البلعاس, ومنه باتجاه تدمر, لما لتدمر من أهمية تاريخية عبر انفتاحها على الشرق الرافدي الهام, ولاعتبارها موقعاً تجارياً متوسطاً في بلاد الشام.
وما وجود سكن في جبال البلعاس, في منطقة وادي التنباك, التي يعود تاريخ السكن فيها إلى ما قبل الألف الثامن قبل الميلاد, إلا دليل على أهمية هذه المنطقة عبر التاريخ, وما لها من مقومات تجتذب الإنسان لسكناها, وعلى رأسها خصوبة الأرض, إضافة إلى وجود الغابات الكثيفة من الأشجار المتنوعة, وغزارة الأمطار التي عادة ما تشكل ما يسمى بالأودية السيلية الموسمية, والتي استطاع الإنسان الاستفادة منها عبر تخزينها في أحواض وآبار جمعية كانت قمينة بأن تكفل له إقامة مناطق استيطان مستمرة حيناً وربما متقطعة أحياناً, وفي مناطق مختلفة من هذه الجبال, وعلى رأسها منطقة (رسم الفاية) والتي تم اختيارها لتكون المكان الذي اختارته لجنة الآثار لزيارته.
ـ كانت الانطلاقة في الساعة 8,15 صباحاً من أمام مقر الجمعية, وبعد مسير تجاوز الساعة والنصف, مروراً بالعديد من القرى, وصلنا إلى منطقة جبال البلعاس, حيث تمت زيارة موقع إقامة المهندسين القائمين على حماية محمية البلعاس من الرعي الجائر وغيره من الانتهاكات المختلفة الأخرى, ومن ثم كان وصولنا إلى الموقع المنشود (الفاية) حوالي الساعة العاشرة صباحاً.
ـ الموقع: كانت المفاجأة الكبيرة هي حجم الموقع من حيث المساحة, والتي تتجاوز على أقل تقدير 30ـ 40 هكتاراً, مع كثافة عالية من السكن بكافة أنواعه وأحجامه, دلَّ عليه كثرة المباني المتداعية بشكل كامل لأسباب عدة, قد تكون الكوارث الطبيعية على رأسها, إضافة إلى ما فعله الإنسان من تهديم وانتهاك لحرمة هذا الموقع الأثري الهام, وصولاً إلى ما آل إليه الموقع عندما هجره سكانه الأوائل آخر مرة بسبب الحروب المدمرة أو الثورات العاصفة, وما إلى ذلك من أسباب أخرى نجهلها ما دام هذا الموقع مرتدياً وشاح الغموض, في انتظار من يزيل عنه غبار الزمن ويعيد له بهاءه, ويكشف لنا عن أسراره التي ربما لو كشفت لكانت خير معين لنا في إزالة الكثير من الغموض الذي يكتنف تاريخ هذه المنطقة وعلى رأسها مدينتنا سلمية.؟
وموقع الفاية مؤلف من العشرات من المباني ذات السويات الاجتماعية أو العسكرية المختلفة, ما بين سكن كبير (قصر ـ معبد ـ كنيسة) أو منزل صغير. إضافة إلى العديد من آبار الجمع المؤلفة من فوهة منحوتة في الصخر, وعلى قمتها (خرزة) مصنوعة بشكل دائري أو مربع, إضافة إلى وجود عنق للبئر طوله حوالي 2 ـ 3 م, ومن بعدها نجد حوضاً بيضوي الشكل كبيراً وطولاني الاتجاه, وذلك لتجميع مياه السيول والأمطار القادمة من الهضاب والجبال المجاورة.
كما تمت مشاهدة الكثير من كسر الفخار وبأنواع عديدة (الرقيقة ـ السميكة) الفاخرة الصنع وكذلك غير المشذبة, مما يدل على تفاوت مستوى الصناعة تبعاً للحاجة حيناً أو لتاريخ الصنع أو لمهارة الصانع أحياناً, إضافة إلى وجود العديد من الأجران المختلفة الأحجام والأشكال, جُلّها مستطيل الشكل, والمصنوعة من الحجر الكلسي, بعضها ما زال سليماً والتي ربما كانت أحواضاً للتعميد أو ما شابه ذلك.
وقد شوهد في الموقع أيضاً العديد من المغائر ذات الأحجام والمساحات المختلفة وصل ارتفاع بعضها لأكثر من 2م, بعضها مشغول بشكل جيد يوحي باستخدامها إما للتخزين أو كمدافن للسكان, وربما لاستخدامات أخرى, خاصة وإن بعضها له مداخل فيها بعض الأدراج المصنوعة بشكل جيد يوحي باستخدامات هامة.
والمؤسف في الموقع: هو خلوه من أي شيء يوحي بتاريخه, فهو خال من كافة أنواع الكتابات والرسوم والأشكال والمصنوعات (تماثيل أو ما شابه) والرموز التي قد يستفاد منها في تحديد تاريخ واضح لهذه الموقع الهام, عسى أن تكشف التنقيبات الأثرية فيما بعد عكس ذلك.
ومما يؤكد على أهمية الموقع كثرة أساسات الأسوار والجدران السميكة, التي اختلفت سماكاتها ما بين 50 ـ 100 سم والمبنية بغالبيتها من الحجر الغشيم, مع وجود بعض الجدران المبنية بحجارة مشذبة ما زال بعضها قائماً حتى الآن وعلى ارتفاع 1م تقريباً من الأرض. ومما يدل على أهمية بعض المباني على اعتبارها قصراً أو مركز قيادة هو كبر حجمها وزيادة مساحتها, ولهذا نفترض أن يكون الموقع عسكرياً على الغالب أو مستوطنة صغيرة.
الحجارة بغالبيتها كلسية, بسبب نوع الصخور الموجودة طبيعياً في الموقع.
المشهد العام للموقع يوحي بأنه تعرض لزلزال كبير مدمر قد يعود لزلزال عام 1157م الشهير.
ـ التاريخ: في ظل غياب دلائل (رسوم ـ كتابات ـ رموز) على تاريخ الموقع, افترض من خلال معرفتي المتواضعة, وبالمقارنة مع بعض المواقع الشبيهة والتي عُرِفَ تاريخها أن الموقع يعود للعصر الروماني وربما إلى بدايات العصر البيزنطي, مع افتراض استمرار السكن فيه لفترات إسلامية, وذلك بما يتفق أيضاً مع بعض المعطيات التي تشبه هذا النوع من المواقع الأثرية الأخرى, ولكثرة ما شوهد في مناطق أخرى من جبال البلعاس من كثرة الكنائس البيزنطية, مما يدل على سكن غزير لهذا الموقع في العصر الروماني والبيزنطي, إضافة إلى وجود الكثير من المغائر ذات الاستخدامات المختلفة (مدافن) التي عادة ما تشاهد في المواقع البيزنطية.
وهذا ما يتوافق مع إقامة الرومان للكثير من التحصينات العسكرية في المناطق الوسطى والشرقية من بلاد الشام لمجابهة الخطر الفارسي المحتمل, وخاصة في فترة حكم ديوقليسيان الروماني في بدايات القرن الرابع الميلادي خاصة بعد سقوط تدمر والتحول في السياسة الرومانية نحو إزالة الممالك والإمارات العربية نحو إقامة هذه التحصينات العسكرية في وجه الفرس.
ـ العودة: كانت العودة في الساعة 12,15, وكان الوصول إلى أمام مقر الجمعية الساعة 1,30ظهراً.
ـ المشاركون: علي كلول ـ نزار كحلة ـ أمين قداحة ـ علي فاضل ـ علي أمين ـ محمود عاشور ـ محمد شحود ـ غالب غالب ـ زهير سمعول ـ إخلاص الدبيات ـ رغد فاضل.